لغت: نفا
قوله تعالى: أو ينفوا من الأرض [33/5] أي يطردوا منها و يدفعوا عنها إلى أرض أخرى، و النفي هو الطرد و الدفع، يقال: نفيت الحصى من وجه الأرض فانتفى، ثم قيل لكل كلام تدفعه و لا تثبته: نفيته، و منه نفي إلى بلدة أخرى أي دفع إليها.
و في الحديث عن عبيد الله المدائني قال: قلت لأبي عبد الله: و ما حد نفيه؟ قال: سنة ينفى من الأرض التي فيها إلى غيرها، ثم يكتب إلى ذلك المصر بأنه منفي فلا تؤاكلوه و لا تشاربوه و لا تناكحوه حتى يخرج إلى غيره فليكتب إليهم أيضا بمثل ذلك فلا يزال هذه حاله سنة، فإذا فعل به ذلك تاب و هو صاغرو فيه: المدينة كالكير ينفى خبثهاأي تخرجه عنها، من نفيته نفيا: أخرجته و فيه: حج البيت منفاة للفقرأي مظنة لدفعه.
و للنفي طرائق ذكرها في المصباح هي أنه إذا ورد النفي على شي‏ء موصوف بصفة فإنه يتسلط على تلك الصفة دون متعلقها نحو لا رجل قائم فمعناه لا قيام من رجل، و مفهومه وجود ذلك الرجل، و لا يتسلط النفي على الذات الموصوفة، لأن الذات لا تنفى و إنما ينفى متعلقاتها.
قال: و من هذا الباب قوله تعالى: إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شي‏ء [42/29] فالمنفي إنما هو صفة محذوفة لأنهم دعوا شيئا محسوسا هو الأصنام، و التقدير من شي‏ء ينفعهم أو يستحق العبادة و نحو ذلك، لكن لما انتفت الصفة التي هي الثمرة المقصودة وقع النفي على الموصوف مجازا كقوله تعالى: لا يموت فيها و لا يحيا [13/87] أي لا يحيا حياة طيبة، و منه قول أحد الناس: لا مال لي أي لا مال كاف أو لا مال لي يحصل به الغنى، و كذلك لا زوجة لي أي حسنة و نحو ذلك.
و هذه الطريقة هي الأكثر في كلامهم، و لهم طريقة أخرى معروفة و هي نفي الموصوف فتنتفي تلك الصفة بانتفائه، فقولهم: لا رجل قائم معناه لا رجل موجود فلا قيام منه، و خرج على هذه الطريقة قوله تعالى: فما تنفعهم شفاعة الشافعين [48/74] أي لا شافع فلا شفاعة منه، و كذا بغير عمد ترونها [2/13] أي لا عمد فلا رؤية، و كذا لا يسئلون الناس إلحافا [273/2] أي لا سؤال فلا إلحاف.
قال: و إذا تقدم النفي أول الكلام كان النفي للعموم نحو ما قام القوم فلو كان قد قام بعضهم فلا كذب، لأن نفي العموم لا يقتضي نفي الخصوص، و لأن النفي وارد على هيئة الجمع لا على كل فرد فرد.
و إذا تأخر حرف النفي عن أول الكلام و كان أوله كل أو ما في معناه و هو مرفوع بالابتداء نحو كل القوم لم يقوموا كان النفي عاما لأنه خبر عن المبتدإ و هو جمع فيجب أن يثبت لكل فرد فرد منه ما يثبت للمبتدإ و إلا لما صح جعله خبرا عنه، و أماقوله: كل ذلك لم يكن- يعني في خبر ذي اليدين - فإنما نفى الجميع بناء على ظنه أن الصلاة لا تقصر و أنه لم ينس منها شيئا، فنفى كل واحد من الأمرين بناء على ذلك الظن، و لما تخلف الظن و لم يكن النفي عاماقال له ذو اليدين: و قد كان بعض ذلك يا رسول الله ص، فتردد ص فقال: أ حقا ما قال ذو اليدين؟ فقالوا: نعمو لو لم يحصل له الظن لقدم حرف النفي حتى لا يكون عاما و قال: لم يكن كل ذلك - انتهى كلامه.
و هو جيد ينبغي مراعاته في ألفاظ الكتاب و السنة.
و من كلامهم: هذا ينافي هذا أي يباينه و لا يجتمع معه، و مثله قوله: و هما متنافيان.