لغت: أَبَا
قد تكررت في الحديث (لاَ أبَا لَكَ) وهو أكْثَر ما يُذْكَر في المدح: أي لا كافي لك غَيْرُ نَفْسك.
وقد يذكر في معرضِ الذَّم كما يقال لا أمَّ لك، وقد يذكر في معرض التعَجُّب ودَفْعاً للعين، كقولهم للّه دَرُّكَ، وقد يذكر بمعنى جِدَّ في أمْرِك وشَمّرْ؛ لأن من له أبٌ اتَّكل عليه في بعض شأنه، وقد تحذف اللام فيقال لا أباَكَ بمعناه.
وسمع سليمان بن عبد الملك؛ رجلا من الأعراب في سنة مُجْدِبةٍ يقول:رَبَّ العبَاد مَا لنَا وَمَا لَك * قَدْ كُنْتَ تَسقِينَا فَمَا بدا لَك- أنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ لاَ أَبَا لَك*فحمله سليمان أحسنَ مَحْمِل فقال: أشهد أن لا أَبَا له ولا صاحبة ولا ولد.
(س) وفي الحديث (للّه أبوك) إذا أضيف الشيء إلى عظيم شريف اكتسى عِظما وشرفا، كما قيل: بيتُ اللّه وناقةُ اللّه، فأذا وُجِد من الولد ما يَحسنُ مَوْقعُهُ ويُحْمَدُ، قيل للّه أبوك في معرض المدح والتعجب: أي أبوك للّه خالصاً حيث أَبْحَبَ بك وأتى بمثلك.
- وفي حديث الأعرابي الذي جاء يسأل عن شرائع الإسلام، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: (أَفْلَحَ وَأبِيهِ إن صدق)، هذه كلمة جارية على أَلْسُن العرب تستعملها كثيرا في خطابها وتريد بها التأكيد.
وقد نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يحلف الرجل بِأَبيه، فَيحتمل أن يكون هذا القولُ قَبْلَ النهي.
ويَحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام الجاري عَلَى الألسن ولا يقصد به القسم كاليمين المَعْفُوّ عنها من قَبِيل اللّغْوِ، أو أراد به توكيد الكلام لا اليمينَ، فإن هذه اللفظةَ تجري في كلام العرب على ضَرْبين: للتعظيم وهو المراد بالقسم المنهيّ عنه، وللتوكيد كقول الشاعر:لَعَمْرُ أبِي الوَاشِينَ لا عَمْرُ غَيْرِهم * لقد كَلَّفَتنِي خُطَّةً لا أُرِيدُهافهذا توكيد لا قسم؛ لأنه لا يَقْصد أن يحلف بأبي الواشين، وهو في كلامهم كثير.
(س) وفي حديث أم عطية (كانت إذا ذَكّرت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت: بأبَاه، أصله بِأبِي هُو)، يقال بَأْبَتُ الصبيَّ إذا قلتَ له بأبي أنت وأمّي، فلما سكنتِ الياء قُلِبَتْ ألفا، كما قيل في يا وَيْلَتِي يا ويْلَتَا، وفيها ثلاث لغات: بهمزة مفتوحة بين الباءين، وبقلب الهمزة ياء مفتوحة، وبإبدال الياء الآخرة ألفا وهي هذه، والباء الأولى في بأبي أنت وأمي متعلقة بمحذوف، قيل هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره: أنت مُفَدَّى بأبي أنت وأمّي.
وقيل هو فعل وما بعده منصوب: أي فَديتُك بابي وأمّي، وحُذِفَ هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال وعِلْم المخاطب به.
(س) وفي حديث رُقَيْقَةَ (هَنِيئاً لك أبا البَطْحَاء) أنما سمّوه أبا البطحاء لأنهم شَرُفُوا به وعُظّموا بدعائه وهدايته، كما يقال لِلْمِطْعِام ابو الأضياف.
- وفي حديث وائلِ بن حُجْر (من محمد رسول اللّه إلى المُهَاجر بن أبو أَميَّة) حَقُّهُ أن يقول ابن أبي أمية، ولكنه لاشتهاره بالكُنية ولم يكن له اسم معروف غيره لم يُجرّ، كما قيل على ابن أبو طالب.
- وفي حديث عائشة قالت حَفْصَة (وكانت بنْتَ أبيها) أي إنها شبيهة به في قوّة النّفس وحدّة الخُلق والمبادرة إلى الأشياء.
(س) وفي الحديث (كُلُّكم في الجنة إلاّ من أبى وشَرَد) أي إلا من تَرك طَاعَةَ اللّه التي يَسْتَو جِبُ بها الجنة؛ لأنّ من ترك التسبب إلى شيء لا يُجَد بغيره فقد أباه.
والإباءُ أشَدُّ الامتناع.
- وفي حديث أبي هريرة (يَنْزِلُ المَهْدِي فَيَبْقَى في الأرض أربعين فقيل أربعين سنة؟ فقال أبَيْتَ.
فقيل شهرا؟ فقال أبَيْتَ.
فقيل يوما؟ فقال أبَيْتَ): أي أبيت أن تعرفَه فإنه غَيْبٌ لم يرد الخبر ببيانه، وإن رُوي أبَيْتُ بالرفع فمعناه أبَيْتُ أن أقول في الخبر ما لم أسْمَعْه.
وقد جاء عنه مثلُه في حديث العَدْوَى والطّيَرَة.
- وفي حديث ابن ذي يَزَن (قال له عبدُ المطلب لما دخل عليه: أبَيْتَ اللّعْنَ) كان هذا مِن تَحَايا الملوك في الجاهلية والدعاء لهم، ومعناه أبيت أن تفعل فعلا تُلْعَنُ بسبه وتُذَمُّ.
- وفيه ذكر (أَبَّا): هي بفتح الهمزة وتشديد الباء: بئر من بئار بني قُرَيْظَةَ وأموالِهم يقال لها بئر أبّا، نزلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أتى بني قُرَيْظَةَ.
- وفيه ذكر (الأبواء) هو بفتح الهمزة وسكون الباء والمد: جبل بين مكة والمدينة، وعنده بلد يُنْسَبُ إليه.